رسائل إلى أمي …
و لا تقربا هذه الشجرة
بقلم د.أنور سعيد القبالي
كنت أجلس مع صديق لي نتبادل أطراف الحديث وكان يبدو على ملامح وجهه وطريقة كلامه اليأس و الآسى ،
سألته : ما لي أراك بائساً ؟
أخذ نفساً عميقاً وأشاح بنظره الى الأعلى وقال :
سامحك الله يا والدي انت السبب في كل ما حصل !
- والدك ؟ ماذا فعل ؟
قال لي بعد أن نظر في عينيَّ وتهيأ للوقوف : هل لديك ساعة من الوقت
- نعم .
انتشل مفاتيح سيارته من على سطح الطاولة و انتفض واقفاً من على كرسيه و أخذ بيدي
- سألته : الى أين نحن ذاهبان ؟
لم يُجِب و استمر بالقيادة حتى وصلنا الى قطعة أرض خضراء لا تتعدى مساحتها 700 متر مربع تقريباً ، تستلقي بين عدد من القصور الفخمة .
- تساءلت : ما لهذه الأرض الجميلة وحيدة بين تلك القصور الفخمة ؟
مشيت قليلاً فلمحت لافتة كُتب عليها
للبيع بسعر 950 الف دينار ،
فعرفت لحظتها سبب وحدتها !
- أنظر الى هذه المنطقة الراقية و إلى هذه القصور الفخمة ، أتعلم أن هذه القطعة من الأرض عُرضت على أبي ليشتريها بمبلغ 6 الاف دينار قبل 45 عاماً .
ولكنه رفض ! لأنه اعتقد في زمانه أنها باهظة الثمن ، ولو
اشتراها في ذلك الوقت لأصبحنا من الأثرياء .
و أردف وهو يشعل سيجارة ، الآباء يأكلون الحصرم و الأبناء يضرسون ،
هكذا هم الآباء ، حتى أبونا آدم عليه السلام لو لم يقرب تلك الشجرة لكنَّا الآن في الجنة !
- اختطفت السيجارة من يده و دفنتها تحت قدمي و قلت له :
لا عليك لا زالت الفرصة قائمة ؟
- قائمة ؟ كيف ؟
و أردف باستهزاء :
هل تمتلك آلة الزمن لنعود لذلك الوقت وننصح أبي بشرائها ؟
- لا ، بالتأكيد لا أمتلك آلة الزمن ولكن
امتلك ما هو أهم منها .
- و هل هناك ما هو أهم من ذلك الاختراع العجيب ؟
- نعم ، القرار الصحيح في زمنك الواقعي أكثر أهمية من آلة الزمن الخيالية ،
ما رأيك أن تقوم أنت بشراء هذه القطعة ؟
- هل جننت ؟ انها باهظة الثمن !
- أها ، و ما رأيك أن نسافر عبر الزمن ولكن ليس للماضي بل للمستقبل
وننظر الى ولدينا وهما يقفان في نفس هذا المكان ،
ويدور بينهما نفس هذا الحوار ، ولكن ابنك في لحظتها يخبر ولدي و هما ينظران الى لافتة كتب عليها ( أرض للبيع بسعر 5 مليون دينار ) قائلاً :
أبي السبب في ضياعنا ، لقد عُرِضت هذه الأرض على والدي قبل 45 عاماً بمبلغ زهيد 950 الف دينار فقط !
ولكنه رفض الشراء ، ولماذا ؟
لأنه اعتقد في زمانه أنها باهظة الثمن
سامحك الله يا والدي .
أما ما يخص شجرة أدم عليه السلام ،
فما نحن فيه ليس ذنبه على الإطلاق،
هو عليه السلام خُلِق من تراب و أدخله الله عز وجل الجنة ورزقه من الطيبات و أعطاه حرية الإرادة ، وأمره عدم الاقتراب من الشجرة ، فوسوس له الشيطان فأكل من الشجرة فأذنب و عرف خطأه فتاب الى ربه عزّ وجل فتاب عليه و من ثم أنزله الله تعالى الى الأرض ليعيش عليها هو و زوجه و ذريته ،
ثم خَلَقَنا الله سبحانه و تعالى من نطفة و رزقنا من الطيبات و ابتلانا بحرية الإرادة ،
و أمرنا أن لا نقرب الشجرة ، واستمر ابليس يوسوس لنا أن نقربها .
- الشجرة ! عن أي شجرة تتحدث ؟
لو كان الأمر يتعلق بشجرة لصبرنا و دخلنا الجنة ؟
- نعم يا صديقي انها شجرة؛
الزنا (شجرة) ، والربا(شجرة) ، و شرب الخمر (شجرة) ،
والسرقة (شجرة) ، و الظلم (شجرة) ، و أكل مال اليتيم (شجرة) ، وكل خطيئة في هذه الدنيا (شجرة) .
كفاك بكاءً على الماضي ،
فلا تزر و ازرة وزر أخرى و تأكد أن ربك عز وجل ليس بظلام للعبيد ،
اذهب لوالدك بهدية تدخل السرور على قلبه ، فقد تحمَّل في زمانه ما لا طاقة لك به ، و تذكر في طريقك أن لا تقرب تلك الأشجار .
———————————
رحِمك الله يا من علمتني احترام أبي والابتعاد عن تلك الأشجار ...
إلى اللقاء في رسالة أُخرى يا أمي
ابنك الصغير المحب
نور