رِحلةٌ في رِحابِ سُورة الكَهْفْ ...

"سورة الكهف"

كل آية من آيات القرآن الكريم  هي أعجوبة في حد ذاتها، وتعلم آيات القرآن يكشف أن كل كلمة منه هي لؤلؤة لا يمكن العثور على ما يعادلها على سطح هذه الأرض ولا في أي كتاب آخر كتبه أي بشر، لذلك، كل آية من القرآن الكريم ، تحمل مجموعة فريدة من المحتوى مع العديد من الدروس المُستفادة والعظة والعبر للبشر جميعهم.

في هذا الصدد، تحتل سورة الكهف مكانة متميزة بين المسلمين وهي سورة تعطي دروسًا كثيرة للمسلمين، تتكون السورة من أربع قصص، تنشر أربعة دروس مختلفة، يجب على كل مسلم أن يتعلمها....

وفيمايلي ذِكرٌ لفضل سورة الكهف والعبر المستفادة منها ويجب التنويه ان ما سأذكره في هذا المقال هو بعضٌ من عظائم سورة الكهف ، فلعلّ كل عِبرة وكل درس مستفاد منها يحتاج الى مقالٍ منفصل ... !  

صدق الله العظيم بقوله في أواخر سورة الكهف :{ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (109)

فضل قراءة سورة الكهف : ورد في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها. عن أبي سعيد الخدري قال : ” من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق ” . رواه الدارمي  3407  . والحديث : صححه الشيخ الألباني في ” صحيح الجامع   6471  

الدروس المستفادة من سورة الكهف

عندما يتعلق الأمر بالقرآن الكريم  وآياته ، فلا شك أنه أفضل كتاب صدق على وجه هذا العالم، لا يحتوي هذا الكتاب العظيم على سر عيش حياة ناجحة في هذا العالم فحسب ،  بل إنه أيضًا مصدر التوجيه وسُلم النجاح في يوم القيامة، هذا الكتاب العظيم لا يحتوي فقط على تفاصيل إبداعات الله سبحانه وتعالى بل يسلط الضوء على الماضي والحاضر ومستقبل الكون كله وكل شيء فيه، بما أن القرآن الكريم  هو الكتاب الوحيد الغني بالمعجزات والعجائب، فإنه يحتوي على العديد من السور اللتي تعتبر بما تحتويه من تعاليم ربانية منهاجاً للنجاح في الحياة الدنيا وفوزاً بالجنة ورضى الله سبحانه وتعالى  في الآخرة . 

 إحدى السور العظيمة من سور القرآن الكريم ،  سورة الكهف المليئة بالعبر والوعظ والعديد من الدروس المستفادة التي سنسردها تباعًا:

القصة الأولى

القصة الأولى المذكورة في سورة هي قصة رجال الكهف، الذين كانوا مؤمنين موحدين ، وعاشوا في بلد غير المؤمنين، وهكذا، عندما لاحظوا أن قومهم يهددون حياتهم  بسبب تمسكهم بالإيمان بالله وتوحيده ، قرروا مغادرة المدينة والإختباء في الكهف، فالله خير معين لعباده الصالحين، فقد منحهم الله سبحانه وتعالى النوم الطويل لمدة ٣٠٩ سنة "والله أعلم بما لبثو" وعندما استيقظوا من نومهم، وعادو لقومهم وجدو قومهم قد اصبحو مؤمنين، وهكذا، توضح هذه القصة أنه عندما يضع شخص ما إيمانه بالله سبحانه وتعالى، ففضل الله عظيم فإنه يأتي دائمًا لإنقاذهم ويساعدهم في تخفيف صعوباتهم، ومهما بلغت الصعوبات فيجب على المؤمن ان يتمسك بعقيدته وإيمانه بالله حتى لو اضطره ذلك الى ترك مدينته فأرض الله واسعة والله ولي المتقين ونصيرهم في الدنيا والآخرة .

الدرس المستفاد

١- الإيمان بالله

الدرس الذي يجب تعلمه من هذه القصة هو الإيمان بالله وفضل التوكل عليه، فعندما يختبر الخالق إيمان عبده، ويصبر العبد ويتمسك بإيمانه على الرغم من الظروف المحيطة، فإن الله يساعدهم بطرق تفوق الفهم، لذلك إذا أردنا مواجهة الفتنة لأننا اخترنا طريق الله ، فإن الحل هو أن نتحلى بالصبر ونؤمن بالله العظيم ، وهذا سوف يوفر لك الحماية والقوة للحفاظ عليها.

٢- صحبة الصالحين

علاوة على ذلك، تعطي القصة درسًا مفاده أن المسلم يجب أن يبقى دائمًا في صحبة الصالحين، كان أهل الكهف جميعًا من الصالحين، وبالتالي ، إن كونهم معًا أعتبر عاملاً مهماً في اتخاذ قرارهم بالتمسك بإيمانهم بالله حتى لو كان ذلك على حساب تركهم مدينتهم ، وبالتالي، يجب أن يكون المسلم ثابتًا في إيمانه ويظل في صحبة أهل الخير، كما هو مذكور في القرآن:

“وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا” (28)

القصة الثانية:

القصة الثانية في سورة الكهف هو الشخص الذي أنعم الله عليه برزق وفير، وكان صاحب حديقتين عظيمتين وصفهما الله تعالى "بالجنتين" لشدة جمالهما ، وكان  من الأثرياء، ومع ذلك، بدلًا من شكر الله، إغترَّ بثروته وقادَهُ غروره إلى الضلال وبدأ يشك في إيمانه ولم يعزُ الفضل في رزقِه هذا الى الله عزَّ وجل ، ونتيجة لذلك حرمه الله تعالى من كل الخيرات الدنيوية، مما جعله يدرك الطبيعة العابرة للأشياء في هذا العالم ولكنه تأخر في معرفة هذه الحقيقة....

الدرس المستفاد

من هذه القصة أيضا يمكن للمسلم تعلم درسين:

١- الثروة اختبار! 

 إن كل الثروة ما هي إلَّا اختبار من الله سبحانه وتعالى،  فالله تعالى يختبرهم سواء كانوا ممتنين له أم لا وهل يكونو من الشاكرين أم الكافرين بِنعم الله عزَّ وجلَّ ، هذه القصة هي درس لأولئك الذين يأخذون الأمور الدنيوية كأمر مسلم به وينسون  أن كل ما لديهم هو من الله وأنه قادر على اتخاذ كل شيء منهم إذا أراد : 

قال تعالى :

قُلِ اللّـٰـهُـمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَآءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُۖ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَآءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْـرُ ۖ اِنَّكَ عَلٰى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيْرٌ (26)  " آل عمران "

٢-  شكر الله

ثانيا يجب على المسلم أيضًا أن يتعلم الدرس الذي مفاده أن أشياء هذا العالم كلها مؤقتة وعابرة، لذلك، عندما تكون متوفرة، يجب على الشخص أن يشكر الله عزَّ و جل ، وينفق  في سبيل نيل رضاه  ، وذكر الله تعالى تمامًا حال الحياة الدنيا في قوله عزَّ وجل :

“وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا “(45)  " الكهف " 

القصة الثالثة:

القصة الثالثة المذكورة في سورة الكهف هي لسيدنا موسى عليه السلام وسيدنا الخضر عندما اعتقد سيدنا موسى عليه السلام أنه لا أحد في هذا العالم لديه معرفة بالأشياء أكثر منه، ثم أرسله الله تعالى لمقابلة سيدنا الخضر، الذي أثبت طوال القصة أنه يعرف أكثر من موسى (عليه السلام).

الدرس المستفاد

١- التواضع

الدرس الذي يجب تعلمه من هذه القصة هو أن المعرفة ليست شيئًا يجب أن يكون المرء فخوراً به ، بل أن معرفة الأشياء يجب أن تعلم التواضع لشخص ويجب أن يعلم المرء أنه يوجد دائمًا شخص أكثر دراية و لديه فهم أفضل للأشياء منه ، الشيء الأكثر أهمية هنا هو أن تعلم أنه بغض النظر عن مقدار المعرفة التي اكتسبتها ، فمن واجبنا الوحيد أن نبقى متواضعين وأن لا نغترَّ بها لأنها هدية من الله وهو الوحيد الذي يمكن أن يمنح المعرفة لأي شخص يشاء.

٢- الصبر للحصول على المعرفة

للحصول على المعرفة اضطر سيدنا موسى عليه السلام لقطع مسافة طويلة  متحملاً مشقة السفر هو وفتاه ليصل إلى سيدنا الخِضر عليه السلام طالباً للعلم والمعرفة ، وهذا درس لنا جميعاً ان طلب العلم يحتاج الى الصبر والإجتهاد والعمل الجاد .

ومن ناحيةٍ أُخرى ، و خلال رحلة المعرفة وطلب العلم لسيدنا موسى عليه السلام ،إشترط عليه سيدنا الخِضر ان يكون صبوراً وأن لا يسأله عن سبب ما يفعله خلال رحلتهما حتى يذكر له الخِضر السبب وراء ما يفعله ... وهذا درس أخر ان الصبر مَطلبٌ أساسي في رحلة الحياة .

قال تعالى : 

وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) " فُصَّلَت " 

٣- ليس كل شيء كما يبدو 

 إعتقد سيدنا موسى ان ما فعله الخِضر كان مُنكراً عندما خَرَقَ السفينة ، وقتل الغلام ومن ثم قام ببناء جدارٍ لقومٍ رفضوا ان يطعموهما ! ولكن عندما شرح له سيدنا الخِضر الأمر عرف سيدنا موسى عليه السلام انه كان فعلاً مُنكراً في ظاهِره يحمل خيراً في باطنه ، وعلِم انها أوامرٌ من الله عزَّ وجل لسيدنا الخِضر ولم يفعلها من من تلقاء نفسه .

 

القصةالرابعة:

القصة الرابعة التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم في هذه السورة بالذات هي قصة الملك العظيم ذو القرنين الذي منحه الله عزَّ وجل  مملكة شاسعة تمتد من الشرق إلى الغرب،  وكان شاكراً لله عزَّ وجل على هذا الملك وهذه القدرات العظيمة فجاب الأرض يطبق شرائع الله وينصر المظلومين في جميع بِقاع الأرض  ، وهو الذي قدم الإغاثة للناس من خطر يأجوج وماجوج بإقامته للسد، لذلك فإن الطريقة الصحيحة في التعامل مع فتنة القوة، هو إستخدامها فيما يرضي الله عزَّ وجل .

الدرس المستفاد

١-القوة والسُلطة  إختبار

الدرس الذي يجب تعلمه من هذه القصة هو أن القوة هي أيضًا هبة من الله ومن أعطاه الله السلطة والقوة، فهو إختبار من الله عزَّ وجل ، ليرى كيف يمكن للمرء إستغلال هذه الهبة، فأولئك الذين يملكون القوة والسلطة يجب عليهم  استخدامها في فعل الخير وجعل حياة الآخرين أسهل،  ومحاربة الشر كذلك.

٢- الأخذ بالأسباب

لقد  منح الله تعالى ،  ذو القرنين القوة والعلم والفطنة، فأخذ ذو القرنين بالأسباب وأنقذ القوم الذي مر عليهم من فتنة يأجوج ومأجوج .

سورة الكهف هي واحدة من سورة القرآن العظيمة ،  فبالإضافة الى  فضل تلاوتها، يمكن لفهمِها وتدبُّرِها أن يساعد المسلم  في استخلاص العديد من الدروس القيمة، التي مِن شأنِها  أن تساعده في التوجه نحو طريق البر والصلاح في الدنيا والآخرة ...

اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا ...

خادم القرآن